رحلة طويلة ومعاناة دراسية لا تُنسى لنيل شهادة جامعية يحلم بها الجميع.. إلا أنها لم تعد طموح الكثيرين في بلادنا، فالطفل الذي لطالما حلم بأن يملك هيبة اجتماعية عندما يكبر، هو اليوم على عتبات التخرج، لكن الفتور بات السمة الغالبة على صفحات وجهه بدلا من الأمل والتطلعات بفعل غياب فرص العمل للشباب، وهو من أهم التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية حاليا
مما لا شك فيه أن أهمية العلم والتعليم لم تعد محل جدل في أي بلد من العالم، سيما بعد أن أثبت كلاهما دورًا لا يُستهان به في رقي المستوى الذهني والفكري لدى أجيال المستقبل حيال مشاكل الحياة المتشعبة والتي تبقى صعبة نوعًا ما على من حاز قسطا محدودًا من التعليم. وهنا لا بدّ من القول إنّ الشهادة هي وسيلة وليست هدفًا، فأين تكمن فائدتها إن لم تترجم فرصة تحاكي طموح صاحبها. وبالتالي تجعل من البطالة بين حملة الشهادات الجامعية أبرز خطايا المجتمع التي يعاني منها الشباب اللبناني
لكل شاب حلم يولد في نفسه منذ الطفولة، فالتمسك بالأحلام في بدايات مرحلة الدراسة وفترة الشباب ضرورة حياتية لا غنى عنها. لكن كلما إقتربنا من خوض المعارك في سبيل ترجمة هذه الاحلام -والتي تشكل الحد الفاصل بين المستقبل الناجح أو الاستسلام للواقع- نجد أحلامًا تتحقق وأخرى تتحطم.
وفي هذا السياق، ترى الطالبة في كلية الحقوق (الجامعة اللبنانية) عبير سرحان أن "الشهادة الجامعية أصبحت ثقلا على حاملها وليست وسيلة لتحسين المستوى المعيشي والمادي، لأن هناك العديد من الأعمال ذات مردود مالي جيد ليست بحاجة إلى شهادات أكاديمية، لكن يمتنع عنها الكثيرون من أصحاب الشهادات، لاعتبارهم أنهم حاملو شهادات عليا، وانه ليس من المعقول أن يمتهنوا هذه الأعمال مفضلين انتظار فرص عمل تتناسب ومستواهم العلمي". وتتابع: "أصبحت الشهادة اليوم بلا دور وهي فقط وسيلة للمباهاة والإفتخار بها كمظهر اجتماعي، كما انها كمالية لا تحقق غاية معيشية في الوقت الذي اصبح الناس يصارعون الحياة من اجل لقمة العيش".
بدوره، يؤكد الشيف ايلي زغيب أنّ "الدراسة الاكاديمية أصبحت اليوم بمثابة "رخصة مرور" للحصول على أي وظيفة، وإن كانت لا تتطلب في بعض الاحيان جهدًا فكريًا"، معتبرًا أنّ الجامعة تساعد في التقدّم السريع في سلم الوظائف. ويكشف: "أنا متمرس في مهنتي وعملت في عدة دول، لكن بعض الفنادق رفضت توظيفي لمجرد عدم حصولي على شهادة في إدارة الفنادق".
عماد رقم جديد على لائحة المتمردين على الشهادة الجامعية والذين يعملون خارج دائرة التخصص الجامعي. ويقول: "إستكملت دراستي الجامعية في هندسة الديكور لكنني فوجئت بأنها ليست كافية لتكوين أسرة ولا بناء منزل مستقل، لذا عملت في مهنة والدي وهي مطعم فلافل"، لافتا إلى أنه طوّرها بأفكار جديدة وأصناف جديدة تناسب كل الأذواق.
ليس هناك شعور أصعب من أن تتسلق جبلا ثم تتفاجأ بعائق يمنعك من متابعة الطريق نحو الهدف وفي الوقت عينه لا يمكّنك العودة إلى الوراء، هذا أقرب تشبيه لحال الطلاب الجامعيين في لبنان، بعد سنوات دراسة طويلة اهترأ خلالها لباسهم على المقاعد، ليتخرّجوا بأفكار تستحق الإهتمام، لكنّ الواقع يصدمهم بسوق عمل أغلق أبوابه في وجوههم.
وفي هذا السياق يشدد رئيس قسم المعلوماتية الإدارية في الجامعة اللبنانية الدولية الدكتور بلال جباعي، على أن "معدلات البطالة تنخفض مع زيادة التحصيل العلمي، وحتى اليوم لا تزال الشهادة الجامعية أفضل وأسرع وسيلة للحصول على عمل في وقت يتمسك البعض بفكرة الوساطة كوسيلة فعالة للوصول إليه". ويوضح أنه على الرغم من أن الواقع يعكس ميل نسبة معينة من الشباب نحو بعض المهن التي لا تتطلب آفاقا علمية بل مهارات مهنية، تبقى الارقام المرتفعة للطلاب المنتسبين الى الجامعة سنويا، أكبر دليل على أن الشهادة الجامعية حلم يسعى إليه كثير من طلاب الجامعات رسمية كانت أم خاصة".
ويُردف: "مما لا شك فيه ان العلم باب لارضاء الغرور وخلق مكانة اجتماعية بين المثقفين الذين يتبارون في الألقاب العلمية".
ويعزو جباعي، في حديث لــ"النشرة"، "انحسار فرص العمل إلى أسباب تنموية وسياسية بإمتياز، إذ ليس بالمستغرب رؤية خريج التجارة يعمل كصحافي، أو ألا يصبح خريج الصناعة صناعيا أمام مشهد الآلاف من الخريجين سنويا ومن عشرات الإختصاصات المهنية والبحثية الجامعية وصولا إلى خريجي شهادة الماجستير في ظل عدم قدرة سوق العمل على استيعاب هذه الاعداد الضخمة"، واقع دفع بقسم منهم إلى الجلوس في البيت بإنتظار الوظيفة المطلوبة، وبالقسم الآخر إلى القبول بأي مهنة مهما بلغت درجة بساطتها. وبرأي جباعي فإن السبب يعود إلى غياب رؤية موحدة لإدارات تنمية الموارد البشرية من قبل الدولة والوزارات المختصة.
وفي الختام لا بد أن نسأل إلى متى ستبقى البطالة تفترس آلاف الخريجين الجامعيين في بلاد الأرز؟ هل بتنا أمام تحذير غير معلن من إنتشار "ظاهرة اليأس" عند الطلاب بشكل أكبر مما كانت عليه من ذي قبل؟ وللتذكير علّ الذكرى تنفع، يقال في العربية: "بَطُلَ الشيء، أي فسد وتعطَّل وذهب ضياعاً".